لفلي سمايل

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

تاريخ الإضافة : 24-1-1428 هـ

* من ضمن العوامل المختلفة التي تلعب دوراً أساسياً في تشكيل العمارة وصورة المدينة تأتي الثقافة لتعبر عن مجمل القيم الجمالية والفكرية التي تتحلى بها مدينة ما والعلاقات بين أفرادها ممثلة بالنسيج العمراني وتفاصيل مبانيها بحيث تصبح تلك الثقافة مقروءة ومرئية بعماراتها معرفة بها.

 

- ومع تعدد الوثائق والكتابات وبعض الآثار المادية الأخرى التي تشير إلى جذور حلب التاريخية إلى جانب حضارات الشرق القديم في الألف الثانية قبل الميلاد إلا أن ما يطبع اليوم صورة المدينة وما يميز جوهر البناء فيها ويحدد طبيعة العلاقات بين أفرادها تلك القيم والآثار المستمدة من الثقافة الإسلامية.

 

- لقد أثرت تلك الثقافة على مر العصور صورة المدينة وعمارتها وقدمت مع وجود الثقافات الأخرى الإطار القيم للساكنين والزائرين وارتقى بها إلى مرتبة عاصمة للثقافة الإسلامية.

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

- إحدى العناصر الرئيسية في بنية المدينة وأكثرها بروزاً في صورتها هي القلعة ناهضة عن مستوى مدخلها السفلي بحوالي 40 م شكل القسم العلوي من المرتفع يقترب من القطع الناقص أبعاده محورية 375 و 275 م وعلى الرغم من أن حفريات التنقيب عن الآثار قد دلت على إنجازات معمارية وثقافات تسبق ظهور الإسلام بما يزيد عن ألفي عام إلا أن الطراز المعماري البارز للبناء الحالي هو الإسلامي ويعود إلى القرن السابع وما تلته من إضافات في القرن الثالث عشر الميلادي.

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

- أهم أجزاء البناء المكونة للقلعة والعاكسة لذلك الطراز إلى جانب البوابات ومرافق التحصين جامع إبراهيم (1179 م)، الجامع الكبير بمئذنته المربعة الشكل (1213 م)، القصر (1230 م) وقاعة العرش المملوكية.

 

- إلى جانب القلعة قدم سور المدينة مع بواباتها كعنصر بارز في عمارة المدينة الإسلامية لسكان المدينة التاريخية الحماية من الهجمات الخارجية وبعد العديد من أعمال التوسيع وإعادة البناء أخذ سور المدينة في القرن الخامس عشر شكلاً يقترب من المربع طول ضلعه حوالي 1500 م وأحد عشر باباً ضمن السور لم يبق منهم اليوم سوى خمسة أبواب ولكنها في حالة بناء جيدة يمكن معها تقديم صورة واضحة عن ترتيبها المعماري وطابعها الإسلامي يساعد على ذلك بقاؤها مكشوفة في كثير من المواضع على امتداد السور ضمن هذا السياق يكتسب الباب الواقع في القسم الغربي من سور المدينة والمعروف باسم باب انطاكية أهمية ثقافية تاريخية فهو يرتبط بحدث دخول الإسلام إلى حلب في العام 637 للميلاد ولا تختلف الأبواب الأخرى مثل باب النصر (1212 م) وباب الحديد 1509 م في القسم الشمالي للسور وكذلك باب قنسرين 985 م في القسم الجنوبي الغربي منه، في تصميمها المعماري عما هو عليه في باب انطاكية يتألف الباب من طابقين و يؤدي ممر منكسر عبر برج الباب إلى داخل المدينة حيث يربط المدينة بالباب مباشرة طريق مستقيم يتقدمه برجان على طرفي المدخل.

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

- أكثر مما هو عليه المدن الإسلامية الأخرى يقدم السوق التقليدي في حلب عبر تصميمه وتعدد وظائفه صورة حية للحياة الاقتصادية والعلاقات الثقافية في المجتمع الإسلامي إذ تمتد الفعاليات متفرعة ومتقاطعة منها ما هو مقبب أو مكشوف أو مغطى جزئياً بحصائر لتصل إلى حوالي 12 كم المرشد إليها التقسيم الوظيفي للفعاليات بحسب نوع المنتج والربط للحركة بينها ومع محيطها المحور الرئيس الممتد شرق – غرب بدءاً من باب انطاكية حتى محيط القلعة والمحاور الموازية والمتعامدة معه وما يتفرع عنها من شرايين الحارات الضيقة المعروفة في النسيج العمراني للمدينة الإسلامية.

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

- مع الأهمية الثقافية والاقتصادية للمدينة والدور الذي لعبته عبر ارتباطها مع الثقافات الأخرى نشأت بين القرن الخامس عشر والقرن السابع عشر بارتباط مع السوق مجموعة من الخانات المتعددة الوظائف (أماكن مبيت، مواقع ضيافة، مستودعات بضائع، ساحات و أروقة للبيع وتبادل البضائع) وليس من النادر مصادفة وجود العديد من الوكالات التجارية وقنصليات العديد من الدول الأوروبية مثل (فينيسيا-فرنسا-إنكلترا و هولندا) والتي اتخذت من تلك الخانات موقعاً لنشاطاتها وعلاقاتها مع حلب.

 

- لتحقيق هذا التنوع في الوظائف أتى التصميم المعماري للخان ليلائم المتطلبات بفعالية وانسجام مع باقي أجزاء النسيج العمراني للمدينة الإسلامية يتألف الخان من طابقين والعديد من المحلات التجارية والمستودعات مرتبطة مع الفناء الواسع المكشوف للخان بأبواب مباشرة أو عبر الأروقة المحيطة بالفناء يحتضن هذا الترتيب الوظيفي غلاف معماري استمدت عناصره من المفردات التشكيلية المميزة للعمارة الإسلامية تلك المفردات نجدها حتى اليوم مقروءة في مواقعها الأصلية تؤدي وظيفتها الجمالية والثقافية.

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

- في حين تصادق الأسواق والخانات على الأهمية الاقتصادية والثقافية التي تمتعت بها حلب وتزال تقدم مساجد حلب الشاهد الحي للهوية الإسلامية للمدينة أقدم تلك المساجد هو مسجد التوتة ويعود تاريخه إلى عام 637 م ويرتبط بموقعه مباشرة خلف باب انطاكية وتاريخ البناء بحدث دخول الإسلام مدينة حلب ومازال حتى اليوم بعمارته المتواضعة مادياً والغنية ثقافياً يؤدي وظيفته التقليدية.

 

- مع تطور المدينة وتوسعها الدائم عبر المراحل المتتالية ظل المسجد وظيفة ملازمة للعمارة معبراً عن استمرار الهوية الإسلامية للمدينة يتألف المسجد الأموي في حلب والمقام عام 715 م من مصلى ثلاثي الأروقة وفناء محاط بأروقة ثم أضيف إليه في القرن الثاني عشر مئذنة مربعة المقطع ارتفاعها 48 م وأشرطة زخارف تتمم جمالية التكوين وتعكس غنى المواضيع ودقة التنفيذ.

 

- ومع الاختلاف الطفيف في التفاصيل تقدم مساجد حلب المقامة في العهد المملوكي بين عامي 1260 و 1516 م عبر بيوت الصلاة المقببة والربط مع تكوين الضريح والمآذن المضلعة والفناء المحاط بأروقة من ثلاث جهات وتكوينات الزخرفة الغنية للواجهات الخارجية أمثلة حية متكررة في صورة مدينة حلب التاريخية للهوية الثقافية الإسلامية، مثال على ذلك يقدمه لنا مسجد الأطروش العائد لعام 1339م والواقع بجوار القلعة. يتألف المسجد من مصلى ثنائي الأروقة في الجهة الجنوبية فناء محاط بأروقة وضريح مقبب في الجهة الجنوبية الغربية ومئذنة مثمنة المقطع.أما ما يظهر في الواجهة الخارجية للبناء من غنى للزخارف عند فجوة بوابة المدخل وفتحات النوافذ فهو المميز لفن البناء الإسلامي.

 

- تطرح ما قدمته عمارة المساجد في مدينة حلب خلال المرحلة العثمانية (1516 – 1916 م) فصلاً آخر متمماً لما قدمته عمارة المساجد في المراحل السابقة ونشاهد ذلك في الأمثلة الكبيرة لصورة المدينة التاريخية وترتيب المسقط الأفقي للفراغات الداخلية. المصلى في مسجد المرحلة العثمانية ذو مسقط أفقي مربع الشكل تغطيه قبة واسعة ويتقدم المصلى لجهة الفناء رواق، أما المآذن فتتسم بالرشاقة وذات مقطع دائري الشكل يعلوها سقف مخروطي مدبب.

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

 

- انتشرت أبنية الحمامات العامة الإسلامية بكثرة في المدينة التاريخية وشكلت مع المساجد والأسواق والخانات النسيج العمراني المتكامل لأحياء المدينة.

 

- تتميز الحمامات الإسلامية عن سابقاتها في الثقافات الأخرى ومنها الرومانية بالجانب الوظيفي العملي والاقتصادي. يتم الدخول إلى الحمام من مدخل وممر معزول عن الخارج يؤدي إلى قاعة الاستقبال المقببة المحاطة بالمشالح ومصاطب الجلوس والاستراحة يليها ممر يفضي إلى فراغ معتدل الحرارة ومنه إلى قسم الساخن وتتحقق إنارة المبنى من خلال أقراص الزجاج المندمجة مع انحناءات قباب التغطية.

 

- إحدى أشهر الحمامات التي عرفتها حلب هي حمام الناصري من القرن الرابع عشر ومازالت حتى اليوم تؤدي وظيفتها التقليدية وتقع بمواجهة القلعة في الطرف الجنوبي. يميز الحمام عن مثيلاتها الواجهة البسيطة بالأشرطة الأفقية المتناوبة الألوان بين الأبيض والأسود وفجوة المدخل الوسطى وقبة الإنارة البارزة.

 

- العمارة في حلب والثقافة الإسلامية تاريخ طويل مرتبط بالعديد من نماذج أو أشكال الأبنية، ولكنه في الوقت ذاته أساس متين لمواصلة تطوير المدينة والنشاطات الإنسانية ضمن إطار الحفاظ على الهوية الثقافية وصورة المدينة المتوارثة، وفي ذلك تعبير عن أصالتنا وانتمائنا.

 

صورة الثقافة الإسلامية في عمارة حلب

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (4)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..

fahad

انتم رائعون بحق سلمتم على طرح هذه الروائع اسال الله ان ينظر اليك وهو يباهي بك ملائكته ويقول (اني احببت عبدي فاحبوه) *** اللهم مثل ما أضئت الكون بنور شمس هذا اليوم أضيء قلبه بنور حبك ضيئا لا ينطفئ وارزقه رزقا دائما لا ينقطع وصحة يستخدمها في طاعتك وأحبه وحبب فيه خلقك وعبادك آميـــــــن

ميسم غانم

لقد اجبتني هذه الصور كثير

ريما نجار

الإسلام ازدهر على يد أجدادنا و جاء اليوم الذي نحاول فيه السير على خطاهم او حتى تقليدهم .. دمتم ودامت بلادالإسلام..

سمية

عمار يا بلدي عمار. رائعة في حضارتها و أهلها