لفلي سمايل

عبد المؤمن بن علي - عهد الموحدين

تاريخ الإضافة : 28-3-1436 هـ

الباب الثالث: دويلات الطوائف وملوك المغرب

 

الفصل الثالث : عهد الموحدين

 

ثانياً: عبد المؤمن بن علي:

- بربري الأصل من قبيلة "كومية" (بطن من بطون زناتة) وادعى أنه عربي النسب من قيس عيلان.

- ولد عام  487هـ قرية قرب تلمسان، ونشأ محباً للقراءة والدرس، وحضور مجالس القرآن الكريم، توسم فيه الخير شيخه ابن تومرت، ويعتبر هو المؤسس الحقيقي لدولة الموحدين، إذ عهد إليه ابن تومرت بالأمر قبيل وفاته، أو اتفق عليه الموحدين بعد وفاته.

 

* عام 541هـ - 1147م محاربة المرابطين:

- قام لما أسند إليه بمحاربة المرابطين حوالي عشرة أعوام، وكانت حروبه منحصرة في جنوب المغرب، قرر عبد المؤمن بعد انتصارات له، وهزائم به – والحرب سجال – أن ينقل الصراع إلى قلب الدولة المرابطية، فاستطاع في عام 540هـ اقتحام مدينة فاس، وكانت من أعظم مدن المرابطين، وبسط سيطرته عليها، وبعد عام واحد شددّ قبضته بحصار مراكش عاصمة المرابطين، في محرم سنة 541هـ، وبعد حصار دام تسعة أشهر قطع الاتصالات بين المدينة المحاصرة وخارجها، وعانى سكانها الويلات، فنضبت المؤن، ومات العديد من الناس جوعاً، وهلكت الحيوانات، ومع ذلك دافع أهل المدينة عنها دفاعاً مستميتاً ومريراً، ثم تمكن الموحدون من اقتحام المدينة وأثخنوا في أهلها قتلاً ثلاثة أيام، وأسر كثيرون، وكان إبراهيم أمير المرابطين السابق الفتى الذي لم يجاوز السادسة عشرة من عمره من بين الأسرى، ولما أخُذ إلى عبد المؤمن أشفق عليه، ورثا لمحنته وصغر سنه، ومال إلى العفو عنه، والإبقاء عليه بينما كان الأمير الصغير يتضرع إليه، والقائم عليه الوصي يؤنبه في ذلك.

 

- تأثر عبد المؤمن من توسلات إبراهيم، فقال لأحد قواده يدعى أبا الحسن بن (واجّاج): اترك هؤلاء الصبيان، ما الذي تعمل بهم؟ فصاح به أبو الحسن: ارتد علينا عبد المؤمن يريد أن يربي علينا فراخَ السبوعة (يترك الأشبال ليكبروا ثم يفتكوا بنا) فغضب عبد المؤمن وغادر مكانه، فتبعه زعماء الموحدين إلا أبا الحسن الذي اقتاد الأمير ثم قتله وأثناء ذلك تمكن الوصي على إبراهيم أن يستل خنجراً ويهجم على أبي الحسن فيقتله، وقد كان حرياً بعبد المؤمن أن يمنع أنصاره عملياً من قتل الأمير الصغير، ولكنه قدر الله، وإن المُلك لا يعرف الرحم، ولا رحم له.

 

* تفكك دولة المرابطين:

- في هذه الفترة العصيبة حين ترنحت الدولة المرابطية ومالت إلى السقوط، كانت بعض المناطق تابعة لها، وإن سقطت العاصمة فهناك ولاة في الشمال الإفريقي، وفي السودان وفي الأندلس، لكن كل على حاله، إذ لا أمير له من آل تاشفين، وقد سقطت العاصمة.

 

* الضعف في الأندلس:

- كذلك كان الضعف يسري في دولة الموحدين في بداية نشوئها وتطوريها، والعدو في الشمال شمال الأندلس كان المستفيدَ الوحيد، إذ هزم المسلمين في المعركة الكبيرة، اللج والبسيط عام 540هـ كما سبق ذكرها، وكانت ضربة كبيرة شديدة للمسلمين في شرق الأندلس.

 

* عام 542هـ - 1148م النصارى يقتحمون المرية:

- أما في عام 542هـ فقد تقدمت القوات النصرانية من شمال الأندلس يقودها ألفونسو السابع (السليطين) براً، وجاءت البحرية الإيطالية من جنوة والبندقية بحراً، حاصرت مدينة المرية في جنوب الأندلس، كانت قاعدة بحرية للأسطول الأندلسي، وطال الحصار ولم يبق من المؤن شيء، وما أمدّها أحد بقوة من رجال أو أقوات من الطعام، ودام الحصار ثلاثة أشهر.

 

- تمكنت الجيوش المعتدية من اقتحام المدينة وأسرت عشرات الآلاف بعد أن استشهد الآلاف أيضاً، وكان من بين الشهداء القاضي أبو محمد عبد الله الرشاطي: ولد عام 466هـ في أوريولة شرقي الأندلس ودرس على أعلام عصره منهم أبو علي الصدفي، ثم انتقل إلى المرية، ونبغ في الحديث والرواية والتاريخ والأنساب وكتب كتابة الشهير: اقتباس الأنوار والتماس الأزهار، في أنساب الصحابة ورواة الآثار.

 

- وأخذت السبايا من النساء وبلغ عدد الأبكار منهن أربعة عشر ألفاً، لم هذا التهاون والضعف؟

 

- لم تُهاجم دولة المرابطين؟ كيف هوجمت وكانت من قبل تقلق مضاجع الأعداء؟

 

عبد المؤمن بن علي - عهد الموحدين

البحرية الإيطالية من جنوة والبندقية تحاصر مدينة المرية في جنوب الأندلس

 

* عام 542هـ - 1148م البرتغال تستعين بالحملات الصليبية على القدس:

- أدت هذه الأحوال المتردية إلى أن اتجهت الأندلس نحو الهاوية، فكان من ذلك أن ابن الرَّنك الذي كان قد استقل بالبرتغال غرباً أراد أن يوسع حدود مملكته على حساب بلاد المسلمين في الأندلس فرأى أن الحملات الصليبية على بلاد  المشرق الإسلامي تتابع، فلم لا يستفيد هو من إحدى هذه الحملات، ولما كانت السفن الإنكليزية والألمانية والهولندية تحمل الرجال والعتاد إلى فلسطين ومساندة النصارى هناك، فانتهز ابن الرنك هذه الفرصة، فأرسل يستنجد بها أن تتوجه الأساطيل لمناصرته في الأندلس وهي الأقرب، فطلب إليهم النصرة والمدد.

 

* عام 542هـ - 1148م تساقط المدن الإسلامية:

- توجه الأسطولان الإنكليزي والألماني لمساندة ابن الرنك، وحاصروا عاصمة الغرب "لشبونة" واقتحموها، ثم توجهوا إلى مدينة قريبة أخرى هي "شَنتــرين" وذلك في سنة 542هـ أي بعد عام واحد من سقوط الدولة المرابطية، تمزقت الأرض الإسلامية في الأندلس، وسقطت مدينة تلو أخرى، وكأن عهد الطوائف قد عاد كرة أخرى، حيث سقطت منطقة المرية ومنطقة الغرب، والوسط والشمال في الأندلس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

عبد المؤمن بن علي - عهد الموحدين

صورة لقبة الصخرة في فلسطين

 

* وفد الأندلس إلى الموحدين:

- حين سقطت دولة المرابطين في المغرب، وآلت مراكزهم إلى الضعف في الأندلس، جاءت الوفود الأندلسية إلى عبد المؤمن تسأله العون والمدد، وكان من أعظم الوفود وأجلها وفد كبير يضم مجموعة من علماء إشبيلية يرأسه القاضي أبو بكر بن العربي ليعلن ولاءه لعبد المؤمن ولمبايعته عام 542هـ، ويسأله النجدة، والعون والمدد.

 

* الموحدون يخلفون المرابطين:

- استجاب عبد المؤمن استغاثة الأندلسيين، فأرسل جيشاً قليل العدد إلى الأندلس، ومهمته الأولى بسط سيطرة الموحدين على ما بقي من مناطق بيد المرابطين، وبعد مناوئات جرت في كل المناطق التي كانت بيد المرابطين بين هؤلاء والموحدين، تمكن الموحدون من إخضاعها، وأعلن بعضها انضمامها معهم.

 

* عام 543هـ - 1149م سقوط طرطوشة:

- وأثناء هذه الحوادث التي كانت فرصة للنصارى، تمكن القشتاليون من أن يسقطوا طُرطوشة في شمال شرق الأندلس، وإن كان أهلها قد دافعوا عنها دفاعاً جيداً، إلا أن الحصار الذي ضرب على المدينة براً وبحراً والذي دام أربعين يوماً أجبرهم على الاستسلام، وذلك في عام 543هـ.

 

* عام 544هـ - 1149م ضياع ثلثي الأندلس:

- ثم سقطت مدينة "لاردة" في شمال الشرق أيضاً، وبهذا السقوط تم للنصارى استرداد شمال الأندلس كله، وكذلك الغرب، وجزء من الشرق والوسط، ولم يبق للمسلمين إلا مناطق محدودة جداً في الجنوب والجنوب الشرقي.

ضاع ثلثاً الأندلس، ولم يبق للمسلمين إلا الثلث الذي تمكن منه الموحدون في هذه الفترة، حيث تم دخولهم إلى الأندلس.

 

* عام 553هـ - 1157م انقسام دولة النصارى:

- ولما سيطر الموحدون على ما بقي للمسلمين في الأندلس استطاعوا أن يوقفوا المد الذي قام به ملوك النصارى، فقد توفي ألفونسو السابع "السليطين" عام 552هـ، وقَسمَّ ولداه مملكته إلى شطرين:

1- مملكة ليون شمال غرب الأندلس وحكمها فرناندو.

2- مملكة قشتالة: الشمال والوسط، وحكمها شانجة ابن ألفونسو السابع، وتوفي بعد عام وخلفه ابنه ألفونسو الثامن.

 

* عام 552هـ - 1157م معركة المرية:

- ولما استقر الأمر للموحدين، وكانوا يتوقون إلى استعادة المرية العاصمة البحرية للمسلمين، شعروا أن الفرصة قد سنحت لتحقيق غايتهم، فقاموا بحملات استطلاعية وصلت إلى أسوراها، وقتلت من النصارى، وغنمت وأسرت، وعلمت أن الحالة في المدينة مهيأة لاستعادتها.

 

- فقام والي غرناطة الموحدي السيد أبو سعيد بالتوجه إلى المرية بجيش ضخم من الموحدين، ومعهم قوة أندلسية من البر، بينما قام أسطول الموحدين بضرب الحصار البحري، وشدد الحصار براً وبحراً، ولم تستطع قوة النصارى التي تقدمت بقيادة السليطين من فك الحصار حيث قدرت باثني عشر ألف فارس، ويساندها حليفها ابن مردنيش أمير شرق الأندلس في ستة آلاف من المسلمين.

 

- مشاركة هذا الخائن في هذا الموقف ليحارب إلى جانب السليطين أبناء دينه المسلمين، ووطنه الأندلسيين، من أسوأ ما يذكر في هذا التاريخ ذي الشجون.

 

- واستمر حصار الموحدين سبعة أشهر، مما أضطر النصارى إلى طلب التسليم على الأمان، فدخل الموحدون المرية في أواخر سنة 552هـ، وعاد الثغر إلى أهله بعد أن بقي تحت احتلال النصارى عشر سنوات.

 

- وبدأت الأمور تبشر بخير، وكان الموحدون يوطدون أركان دولتهم في المغرب وشمال إفريقية والأندلس إلى عام 555هـ.

 

عبد المؤمن بن علي - عهد الموحدين

طلعات استطلاعية على قلعة المرية

 

* عام 552هـ - 1157م جبل الفتح (طارق):

- أمر عبد المؤمن في هذا العام ببناء مدينة "جزيرة" في جبل طارق، واستمر العمل شهوراً وبسرعة لإنجاز مشروعه، فبنيت المدينة وبها الجامع، وقصر له، ودور لأبنائه وحاشيته، وزينت بالحدائق وجلبت المياه إليها، كما جدّد الحصن والأسوار، فسميت بأمر عبد المؤمن "جبل الفتح"، أو مدينة الفتح، ولما كملت المدينة، سار عبد المؤمن من مراكش إلى سبتة في جموع ضخمة، ثم عبر منها إلى شبه الجزيرة الأندلسية في ذي القعدة سنة 555هـ، وكان في استقباله ابنه وجمع غفير من الناس يتقدمهم القضاة والعلماء والشعراء، وكان يوماً مشهوداً ألقيت فيه الكلمات والخطب وأنشد الشعراء قصائدهم، وكان من بينهم شاعر هو أحمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي لم يكن معروفاً من قبل فألقى قصيدة حين جاء دوره بين يدي عبد المؤمن لفتت الأنظار إليها والى الشاعر بروعتها، ومنها:

 

تكلمْ فقد أصغى إلى قولك الدهرُ             وما لسواك اليومَ نهي ولا أمرُ

ورمْ كلَّ ما قد شئته فهو كائن               وحاولْ فلا برٌّ يفوت ولا بحرُ

وحسبك هذا البحر فألاً مردَّد               يقبل  ترباً داسه جيشُك الغمرُ

وما صوتُه إلا السلام مردَّد                  عليكَ وعن بشرٍ بقربك يغترُّ

بجيش لكي يلقي أمامك من غدا               يعاندُ أمراً لا يقوم  له أمرُ

أطلَّ على أرض الجزيرة سعدُها             وحدّد فيها ذلك الخَبَرَ الُخْبرُ

فما طارقٌ إلا لذلك مطرقٌ                ولا بن نُصير لم يكن ذلك النصرُ

هما مهدّاها كي تحلّ بأرضها                كما حل عند التًم بالهالة البدر

 

- فلقيت إعجاباً من عبد المؤمن والحاضرين، فأسند إلى الشاعر مكانة مهمة في ديوانه، على أن الشاعر شطح في آخر قصيدته فرفع عبد المؤمن فوق طارق بن زياد وموسى بن نصير وجعلهما كالجند عنده.

 

* تحصين غرناطة:

أمضى عبد المؤمن شهرين في مدينة الفتح، وأمر أن يهتم المسلمون بمدينة غرناطة وجعلها قاعدة ومركزاً للدفاع الرئيسي في جنوب الأندلس.

 

* قرطبة العاصمة:

- وأمر كذلك بنقل عاصمة الأندلس من إشبيلية إلى قرطبة التي استردت أهميتها ومكانتها وعافيتها القديمة، ثم عاد عبد المؤمن إلى عاصمته مراكش.

 

* عام 555هـ - 1160م سقوط أبي دانس:

- وسقطت مدينة "أبي دانس" التي كانت ثغراً مهماً للمسلمين في الغرب بيد "ابن الرّنك" ملك البرتغال عام 555هـ، ويقع هذا الحصن جنوب شرق مدينة لشبونة.

 

* عام 558هـ - 1163م وفاة عبد المؤمن:

- أمضى عبد المؤمن سنوات قليلة في مراكش، وعزم على العبور إلى منطقة الأندلس ليدير شؤونها، فخرج من العاصمة بجيش عظيم العدد من الموحدين والبربر والأعراب حتى وصل إلى مدينة "سلا" مدينة رباط الفتح على الطرف الإفريقي من المضيق، فأصابه المرض الذي لازمه أياماً، ولم يدم به إذ توفي عام 558هـ بعد أن دام حكمه ثلاثاً وثلاثين سنة وأشهراً، وتولى من بعده ابنه يوسف إذ كان قد عهد إليه من بين أبنائه العشرة، إذ جاء من قرطبة، ثم حمل جثمانه إلى "يتنملّل" فدفن إلى جانب شيخه وإمامه ابن تومرت حسب وصيته.

 

* صفات عبد المؤمن:

- كان عبد المؤمن حازماً سديد الرأي، حسن السياسة، يعالج الأمور بالذكاء والفطنة، فألف بين القبائل المتناحرة، ووطد أركان دولة الموحدين، وأزال دولة المرابطين، وبقي ممسكاً بعلومه من علوم الدين، كثير التلاوة والخشوع، ومع هذا كان يتسم بالقسوة وسفك الدماء.

- وأثنى عليه المؤرخون فقال عنه الحافظ الذهبي: إنه كان عادلاً سائساً عظيم الهيبة، عالي الهمة، كثير المحاسن، متين الديانة، قليل المثل، يصوم يوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الأمور، كأنما خلق للملك، رحمه الله.

 

عبد المؤمن بن علي - عهد الموحدين

مجمع للمياه داخل أحد القصور يعكس جمال وتناغم الفن الأندلسي

مواضيع ذات صلة

موسى وطارق يفتحان الأندلس الأندلس التاريخ المصور موسى وطارق يفتحان الأندلس
توجه موسى بن نصير للأندلس الأندلس التاريخ المصور توجه موسى بن نصير للأندلس

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..