لفلي سمايل

يوسف بن تاشفين يعبر إلى الأندلس - عهد المرابطين

تاريخ الإضافة : 3-2-1434 هـ

الباب الثالث: دويلات الطوائف وملوك المغرب

 

الفصل الثاني : عهد المرابطين

 

أولاً: يوسف بن تاشفين يعبر إلى الأندلس

 

* نشأة دولة المرابطين:

- كان أمير قبيلة "جدالة" (بطن من لمتونه) يحيى بن عمر بن إبراهيم قد ذهب إلى الحج عام 444 هـ مع جماعة من قبيلته، وتوقف قليلاً أثناء عودته في القيروان عاصمة إفريقية في تونس في تلك الفترة، وأخذ يستمع إلى علمائها، واتصل بشيخ المذهب المالكي في تلك الفترة "موسى الفاسي"، وطلب إليه أن يرسل معهم عالماً يفقههم في الدين لانقطاعهم في الصحراء والبوادي، فأرسل معهم موسى عالماً يدعى "عبد الله بن ياسين الجزولي"، فأقام لهم هناك في بلادهم رباطاً (رباط الخيل خمساً فما فوقها للاستعداد في سبيل الله وفي الحديث رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها رواه الشيخان) [أي مخيّماً] يتدرب فيه المتعلمون على أساليب الجهاد والقتال إضافة إلى تلقي العلم، وعلمهم هذا العالم الجليل أن الدين ليس في العبادة فقط، بل إنه منهج يصلح لجوانب حياة الفرد والجماعة كلها، ونظم المتطوعين ورتبهم، فكان أول مجموعة أنشئت للمرابطين عددها ألفاً، وانضم إلى هؤلاء زعيم قبيلة "لمتونة" الذي مر ذكره، وكذلك انضم إليهم أخو الزعيم "أبو بكر بن عمر".

 

يوسف بن تاشفين يعبر إلى الأندلس - عهد المرابطين

شعار المرابطين وتدل أصابع اليد إلى أركان الإسلام الخمسة

 

- فتعلما الفقه والعلم والجهاد، وكان مثليْن عظيمين في الإخلاص والتضحية.

- توفي يحيى بن عمر فخلفه في قيادة هؤلاء المرابطين أخوه أبو بكر عام 446 هـ، الذي يعتبر أول مؤسس لدولة المرابطين، وبدأت تكبر وتتسع وما أعظمها دولةً يحكمها العلماء العاملون المجاهدون.

 

يوسف بن تاشفين يعبر إلى الأندلس - عهد المرابطين

موسيقي ينفخ في بوق: تفصيل لزخرفة زجاجة من الخزف تم اكتشافها في قرطبة

 

* عام 465هـ - 1073م يوسف بن تاشفين يتولى الحكم:

- حدث خلاف بسيط بين "صنهاجة" إحدى قبائل البربر، فاستدعى أبو بكر اللمتوني إلى الصحراء موضع الخلاف، لتلافي الأمر، وكل أمر المرابطين إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، ولما عاد أبو بكر بعد إتمام مهمته ولقي يوسف عام 465 هـ، ورأى من عظمة سلطانه وقوته، وإدارة الأمور في أثناء غيابة؛ فأقدم على عمل قلّ نظيره بين الحكام، إذ تنازل ليوسف بإمارة المرابطين وقال: (هذا الفتى أفضل مني في الإدارة)، وهذا العمل يدل على ما كان عليه من فضل ووعي وبعد نظر وتقى رحمه الله تعالى.

- أين هذا التنازل؟ وهذا الوعي السياسي مما يفعله حكام الدويلات في الأندلس وأمراؤها؟

- يتنازل الزعيم (اللمتوني) لمن هو أكفأ منه في إدارة الأمور وحسن السياسة في المغرب بينما يحارب الضعيف العاجز في الأندلس من هو أجدر بالإدارة وأكفأ في تنظيم الدولة.

 

يوسف بن تاشفين يعبر إلى الأندلس - عهد المرابطين

واجهة بوابة العدالة وداخل البوابة

 

* يوسف بن تاشفين:

 

465 هـ

تولى إمارة المرابطين حينما تنازل له ابن عمه عنها!!

-

كان يتمتع بكثير من الذكاء والفطنة والعزم والشجاعة والحزم.

465 هـ

بنى مدينة مراكش عاصمة للمرابطين.

479 هـ

عبر نحو الأندلس لأول مرة لمساندة أهلها.

483 هـ

بدأ توحيد الأندلس.

500 هـ

توفي في مراكش وقد جاوز المائة سنة.

 

* تأسيس مراكش:

- كانت عاصمة المرابطين "أغمات" جنوب شرق مراكش، لكن ابن تاشفين أراد بناء مدينة تكون قاعدة لهم، فأسس مدينة "مراكش" الحالية في المغرب، وكانت دولة المرابطين تقوم على الأسس الإسلامية، والحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، والفهم الصحيح للدين، وعلى النظام الإداري الذي كان من أرقى الأنظمة الإدارية في ذاك الزمان.

 

* عظمة يوسف بن تاشفين:

- توسعت هذه الدولة، فشملت المغرب العربي، ثم امتدت إلى الشرق والجنوب، وبسطت سلطانها على السودان وغانا ومالي والنيجر.

- وكان مسجد مراكش أولَ ما أُسس من البناء، وكان ابن تاشفين يشارك العمال أثناء البناء فيحمل الطين، ويحفر الأساس، ذكروا عنه أنه لم يتأثر طوال حياته بأية نزعه من ترف القصور، ولا عيشها الناعم، ولا مغرياتها المفسدة، وقد كان يتمتع بكثير من الذكاء والفطنة، والعزم والشجاعة والحزم، وكان فضلاً عن ذلك كثير التقى والورع، خائفاً لربه، كتوماً لسره، كثيرَ الدعاء والاستخارة، مقبلاً على الصلاة، مدُيماً للاستغفار، ويلحق بذلك كله شغفه للجهاد، فقد كان بطلاً مجاهداً حقاً، وقد صرف من عمره أعواماً طويلة في الجهاد في سبيل الله، ولم تكن انتصاراته إلى كثرة العدد ولا إلى قوة العتاد، وإنما لبراعته في تنسيق الخطط، وتنظيم الجيش وانتهاز الفرص السانحة، وكان حريصاً على استتباب الأمن وحفظ النظام في دولته المترامية الأطراف، دائم التفقد لشؤون رعيته، كثير الرجوع للعلماء والفقهاء، يصل الفقهاء ويعظم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها بآرائهم، ويقضي على نفسه وغيره بفُتياهم، يحض على العدل، ويصدع بالحق، ويعضد الشرع، والله سبحانه وتعالى يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } محمد: 7.

- هذا هو يوسف بن تاشفين، وذاك هو الحاكم التقى الورع، يضاهي صلاح الدين الأيوبي في الشرق وقد وجد في عصره، ولكن لا يكاد يذكره إلا القليل، ولا يعرفه إلا الأقل من أبناء المسلمين، فأين نحن من ذكراه؟ وأين نحن من إبرازه كقدوة للحكام والشباب؟

 

يوسف بن تاشفين يعبر إلى الأندلس - عهد المرابطين

زوج من المناجل من الحديد المصنوع

 

* أسباب تأخير العبور إلى الأندلس:

- بدأ يعد العدة لإنقاذ الأندلس بلاداً وعباداً من طغيان ألفونسو السادس، لا لاحتلالها، فجهز جيشاً من قاعدته في المغرب، واتجه نحو سبتة، وهذه المدينة هي المنطلق الوحيد للعبور – عبور المضيق- إلى ناحية الأندلس، وكان يحكمها رجل يدعى "سقوُّت بن محمد".

- ما السبب لتأخير ابن تاشفين في إنجاد الأندلس؟

 

* عام 478 هـ - 1085م حاكم سبتة يرفض:

- أرسل يوسف بن تاشفين إلى حاكم سبتة، يستأذنه في عبور مدينته، واستعمال سفنه لاجتياز المضيق، فرفض الأخير رفضاً قاطعاً من السماح له بالعبور أو إعطائه أية سفينة!! فراسله عدة مرات ويرفض في كل مرة، لذلك رأى علماء المغرب بعد سقوط طليطلة عام 478 هـ قتال هذا الحاكم، وأحلوا دمه بفتوى أصدروها، فقاتله ابن تاشفين وهزمه، وبسط سيطرته على سبته، وأخذ يعد لعبور المضيق؟

 

* حكام جنوب الأندلس يرفضون:

- حدث أمر آخر أعجب من الأول، ذلك أن حكام الأندلس في المدن الجنوبية قد أصدروا أمراً إلى أنصارهم أن يمنعوا رسوّ السفن التي تحمل المرابطين على الشاطئ الأندلسي، مع أن يوسف بن تاشفين قد أعطى لهم المواثيق والعهود بأنه لا يريد غزوهم ولا مملكتهم وإنما يريد أن يحدَّ امتداد نصارى ألفونسو، ويقلم أظافره التي استطالت على  الأرض الأندلسية، فبقوا مصرين على المنع.

 

* 479 هـ - 1086م اجتماع العلماء:

- لذلك أقدم المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية على مراسلة حاكم "بطليوس" المتوكل، وحاكم غرناطة "عبد الله بن حبوس"، وطلب منهما إرسال القضاة إلى إشبيلية، فوصل قاضي بطليوس أبو إسحاق بن مُقانا، وقاضي غرناطة القليعي، واجتمعا بقاضي إشبيلية أبي بكر بن أدهم، وشارك معهم الوزير أبو بكر زيدون – ابن الشاعر المعروف-.

 

* المعتمد بن عباد يوافق:

- وبعد مداولات قرروا إرسال وفد إلى ابن تاشفين ليدرك أهل الأندلس، حتى وإن كان قدومه قد يسبب زوال سلطنة الدويلات الأندلسية، ولما أخبر المعتمد بن عباد بهذا الرأي قال جملته الشهيرة: (رعي الجمال خير لي من رعي الخنازير)، أي أن أرعى لابن تاشفين المسلم جماله أحبّ إلىّ من أن أرعى خنازير ألفونسو السادس النصراني، فوافق على استدعاء المرابطين، وكذلك وافق المتوكل، وملك غرناطة.

 

* وفد الأندلس:

- وجاء وفد الأندلس وجاوزوا الجزيرة الخضراء وعليها الراضي يزيد بن المعتمد، ثم جازوا البحر واجتمعوا بابن تاشفين مرة بعد مرة، وتفاوضوا في مكان إنزال المرابطين، فأشار ابن زيدون أن ينزل الجنود بجبل طارق.

 

يوسف بن تاشفين يعبر إلى الأندلس - عهد المرابطين

واجهة بوابة العدالة وداخل البوابة

 

* عام 479 هـ - 1086م يوم العبور:

- وفي اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول عام 479 هـ أمر ابن تاشفين بالعبور جيشاً بعد جيش (على دفعات)، وكان أول دفعة للجيش بقيادة "داود بن عائشة" وبلغ تعدادها سبعة آلاف، وعبر هو مع آخر دفعة إذ قرّر وهو ابن الثمانين أن يشارك في الجهاد لينال شرفه، وكان بإمكانه أن يرسل القوات ويديرها من هنا، إلا أنه أراد ألا تفوته هذه الفرصة، وأية فرصة؟ الخروج في الجهاد ! ولما أراد العبور هبت عاصفة هوجاء على البحر، وعلا الموج وأرغى البحر وأزبد.

 

* التفكير بالعودة:

- فقام ابن تاشفين يصلي مستخيراً ربه سبحانه وتعالى، ثم يبتهل داعياً: اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا (عبورنا) هذا خيرة للمسلمين، فسهّلْ علينا جواز هذا البحر(عبوره)، وإن كان غير ذلك فصعّبْه حتى لا أجوزه، وما انتهى من دعائه إلا وكان البحر هادئاً ساكناً فعبر البحر، ونزل في الجزيرة الخضراء، ثم قصد ظاهر إشبيلية، وفي هذا المكان بلغه نبأ وفاة ابنه أبي بكر الذي استخلفه على إدارة الدولة في المغرب، فماذا يقرر؟

 

1- هل يعود إلى المغرب تحسباً لفتنٍ قد تظهر، ويدير أمر الدولة؟

2- أم يستمر على ما هو عليه من متابعة الجهاد في الأرض الأندلس؟

 

- فآثر - رحمه الله - أن يتابع طريقه، وأي شيء يعدل الجهاد لدى المسلم الحق؟ وأرسل وزيره "مزدلي" ليقيم شؤون الدولة المرابطية في المغرب.

 

* لقاء ابن تاشفين والمعتمد:

- نزلت دولة العلم والجهاد على أرض الأندلس، فسَرتَ الروح التي كانت للأجداد في نفوس الناس، وخرجوا لملاقاة جند المسلمين، وأقبلت أفواج المتطوعين للمشاركة معهم، وكان ابن تاشفين يكرم كلّ من يأتيه، ولما اقترب من إشبيلية ركض المعتمد لملاقاته والتقيا منفردين، وتصافحا وتعانقا، وأظهر كل منهما لصاحبه المودة، وتضرعا إلى الله تعالى أن يجعل عملهما خالصاً لوجهة الكريم.

 

* الاجتماع بالمتوكل:

- وتقدم الجيش بعد استراحة قليلة إلى بطليوس، وكان أميرها المتوكل أفضل من حكم من ملوك الطوائف، فاستقبلهم ورحب بهم، وأمدّهم بكل ما يستطيع، وأعلن نفسه تحت إمرة ابن تاشفين، ولم يبق من ملوك الطوائف إلا من بادر وأعان وخرج أو أخرج، وأبى أهل الأندلس إلا أن يسيروا مقدمة للمرابطين بقيادة ابن عباد، وسار من بعدهم المرابطون في مؤخرة الجيش.

 

* ابن عباد الشاعر:

- وكان ابن عباد شاعراً، فأنشد لنفسه متفائلاً أثناء مسيرته:

 

لابد من فرج قريب         يأتيك بالعجب العجيب

غزو عليك مبارك         سيعود بالفتح القريب

  لله سعدك إنه          نكس على دين الصليب

لابد من يوم يكو         ن له أخا يوم القليب

 

[يريد بالقليب هنا قليب بدر حيث كانت معركة أعز الله فيها المسلمين وقليب بدر هو الحب الذي دفن النبي صلى الله عليه وسلم فيه قتلى المشركين].

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (1)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..

fatimetou lagdaf

جزاكم الله خيرا هذ المنشور رائع وجد رائع