لفلي سمايل

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

تاريخ الإضافة : 7-8-1439 هـ

الباب الثالث:

 

دويلات الطوائف وملوك المغرب

 

الفصل الثالث : عهد الموحدين

 

سادساً: نهاية الموحدين

 

* عام 610هـ - 1214م حكم المستنصر:

- بويع أبو يعقوب يوسف المستنصر في اليوم التالي لوفاة والده سنة 610 هـ، وكان فتى في السادسة عشرة من عمره، وكان ميالاً إلى حياة الدعة والبطالة منشغلاً عن تدبير الأمور بما تتطلبه نزعات الشباب، ولا يعنيه شيء من مهام الملك.

 

* عام 612هـ - 1216م الهدنة مع النصارى:

- وصل إليه سنة 612هـ رسول من مملكة قشتالة التي بدأت فيها الاضطرابات والصراع على الحكم نتيجة وفاة ألفونسو الثامن سنة 611هـ، تطلب المملكة تجديد العهد مع الموحدين فرضي بذلك المستنصر، وأقر بالهدنة والمسالمة، فمضى للأندلس شيء من الهدوء والأمن.

 

* عام 614هـ - 1217م حصار النصارى لقلعة أبي دانس:

- ولكن السلم لم يدم مع بقية الممالك النصرانية في الأندلس، إذ أقدم ملك البرتغال سنة 614هـ يريد أن يضم مدينة "قصر أبي دانس" الثغر الإسلامي الذي كان الموحدين قد استعادوه سنة 587هـ، فضرب الحصار براً على المدينة، وساعده الأسطول الصليبي – الألماني الذي نزل في مياه لشبونة، وكان متجهاً إلى فلسطين للمشاركة في الحروب الصليبية، طلب إليه ملك البرتغال مساعدته، فأطبق الحصار بحراً.

 

- بقي أهل المدينة صامدين، يدافعون عنها وحدهم، فما من أحد يمد يداً، وما من مدد يأتي! أين الموحدين؟ أقصم العِقاب ظهورهم؟ أم أصيبوا بالوهن؟ وكلّهم العجز؟

 

- والله سبحانه وتعالى يقول:{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران:139].

 

- دام الحصار شهرين ونصفاً، وأيقن أهل المدينة أنهم لا يستطيعون الصمود بعده طويلاً، فاتصلوا بالبرتغاليين يعرضون عليهم الصلح على أن يتركوا المدينة بأموالهم وأنفسهم، ورفض النصارى ترك المدينة بالأموال، وإنما بالأنفس فقط ومع ذلك رضي المسلمون!

 

* الغدر النصراني يتكرر:

- فتحت المدينةُ أبوابها، ودخل جيش النصارى وتمكنوا من مداخلها وأبراجها فكان ما يعجز عنه الوصف منهم، لم يرقبوا في واحد من المسلمين عهداً، ولم يراعوا قولاً فقتلوا كل من كان موجوداً ضمن المدينة، وبالضياع المجاورة من المسلمين.

 

* عام 614هـ - 1217م دولة بني مرين في المغرب:

هذا من طرف، ومن طرف آخر ظهرت دولة جديدة في المغرب إذ أعلن بنو مرين دولتهم، وأصبحت الدولة الموحدية بين ضربتين قويتين: الأولى في الشمال من النصارى في الأندلس، والثانية من بني مرين في الجنوب (في المغرب).

 

* الخليفة اللاهي:

- وفي بلاط الموحدي فتى مكب على حياة اللهو والمرح، والأشياخ المعاصرون له أناس لا خبرة لهم بالسياسة ولا بالإدارة، أما قال المتنبي:

 

الناس من يلق خيراً قائلون له        ما يشتهي ولأم المخطئ الهبلُ!

 

- تهاون عام، وخور يزداد ضعفاً في كيان الدولة.

 

* عام 620هـ - 1223م وفاة الخليفة المستنصر فجأة:

- وفجأة، وبقدر من الله، يموت المستنصر بالله سنة 620هـ دون أن يكون له وريث للملك أو ولي عهد معين، فنشب الصراع بين الموحدين من أجل الحكم في هذه الفترة، إذ وّلى بعضهم عبدَ الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن، وكان شيخاً قد جاوز الستين من العمر، ولم يدم حكمه سوى شهرين، فقد خلعه عبد الله بن يعقوب، لذلك يعرف باسم (عبد الواحد المخلوع) لأنه أول من خلع من الموحدين، ثم قتل في ظروف غامضة، ووثب عبد الله بن يعقوب على الحكم ولقب نفسه بالعادل.

 

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

الخليفة الجديد فتى صغير يلهو بلعبة الشطرنج بينما تتوالى هزائم المسلمين وتستباح أراضيهم

 

* اضطراب الخلافة:

- ولم تمض أشهر حتى صرع العادل، وجلس الفتى يحيى المعتصم على كرسي الخلافة مكانه سنة 624هـ، واضطراب أمر الخلافة فكل واحد من بني عبد المؤمن يريدها لنفسه، حتى قام أبو العلى إدريس بن المنصور بالمطالبة بأحقيته في الأندلس، وكانت الأندلس في حال يرُثى لها، تضطرم فيها ثورات، وتموج بها فتن، ويلحقها هجوم إثر هجوم للأعداء، فأحضر أبو العلى هذا معه مدداً من جند النصارى القشتاليين أمده بهم ملك قشتالة، واجتاز البحر إلى المغرب ليقاتل ابن أخيه يحيى بن المعتصم، ويصبح هو الخليفة وذلك في أوائل 626هـ.

 

* عام 623هـ - 1226م استقلال بنو حفص وحكم المأمون:

- واستقل بنو حفص بإدارة إفريقية (تونس)، وكان استقلالهم عن الموحدين، قد قام به أبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الواحد (المخلوع) بن أبي حفص عمر بن يحيى من الأصحاب المقربين للمهدي بن تومرت، ولقب نفسه بالأمير في أوائل سنة 627هـ، كان أبو العلى المأمون شجاعاً صارماً فأصدر سنة 627هـ مرسومه إلى البلاد الخاضعة له بإزالة اسم المهدي من الخطبة، ومن العملة.

 

* عام 627هـ - 1230م النصارى يهاجمون:

- أدى هذا الانهيار بين الموحدين للتنازع على الكرسي، وتتابع الثورات والفتن في الأندلس، إلى أن يغتنم النصارى هذه الفرصة، وأن يبادر كل ملك ليقتطع ما يتيسر له من ممالك الأندلس وحصونها، وكان يحكم مملكة أرغون في شمال شرق الأندلس في هذه الفترة ملك يدعى "خايمي" (ويسميه المسلمون جايميش)، الذي كان يطمع أن يحتل الجزر الشرقية المتاخمة لشواطئ الأندلس "جزر البليار" ولا أحد غيره أولى بها! فجهز أسطولاً ضخماً سنة 627هـ يساعده الفرنسيون والإيطاليون قدر عدده بمائة وخمس وخمسين سفينة حربية على متنها أعداد ضخمة من المقاتلين الفرسان والمشاة.

 

احتلال الجزر الإسلامية:

- تمكنت هذه الحملة البحرية أن تحاصر عاصمة الجزيرة الكبرى "ميورقة" وتخترق الأسوار، ولم ينفع دفاع أهلها اليائس أن يوقف تقدم الجيش الأراغوني والإيطاليين والفرنسيين، فدارت رحى معارك طاحنة في الساحات والشوارع وتمزق المسلمون، فقتل في يوم واحد أربعة وعشرون ألفاً، وأسر الوالي أبو يحيى بن أبي عمران، وتفنن ملك أراغون بتعذيبه الذي اشتد عليه خمسة وأربعين يوماً حتى توفي تحت العذاب الشديد.

 

- وتلك نتيجة كأنها حتمية للنزاع المستمر المتواصل الذي أنهى الموحدين بدماء المسلمين، وبدماء بعضهم بعضاً، وكأنهم يفرحون بمزيد من دماء المسلمين لا دماء غيرهم، ثم نلوم ونلام!

 

- ولحق بالجزر الأخرى ما لحق بهذه، فقد سقطت جزيرة "يابسة" بعد سنوات، أما منورقة فقد سقطت سنة 686هـ.

 

عام 629هـ - 1232م وفاة المأمون:

- كان المأمون يتصف بصفات أبيه الخليفة يعقوب المنصور، ولو وجد الظروف الملائمة لربما كان قد أعاد الدولة الموحدية إلى عزها، ولكن أشغلته الفتن والانقسامات، فقد كان في حملة في شمال المغرب لتهدئة الأوضاع وثار عليه في العاصمة مراكش ابن أخيه يحيى المعتصم، الذي أخذ منه الخلافة كما سبق، فاضطر أن يتوجه إلى مراكش العاصمة، وفي الطريق في شهر ذي الحجة سنة 629هـ مرض وتوفي فجأة (انتهى أجله قدراً)، فاتفق القادة والمشايخ على بيعة ابنه أبي محمد بن عبد الواحد الذي كان فتى في الرابعة عشرة من عمره ولقب بالرشيد.

 

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

قرطبة، المسجد الكبير، ويرجع توسع هذا الجانب من البناية ذات الأقواس المتعددة والهائلة والبسيطة والمتشابكة إلى الحكم الثاني في الخلف نرى المحراب

 

* عام 630هـ - 1233م الرشيد يسيطر:

- سار الرشيد بجنده حتى وصل إلى أسوار مراكش فخرج المعتصم لقتاله، ثم هزم، وبايع أهل العاصمة الرشيد الفتى في أول المحرم سنة 630هـ، وكانت بيعته آخر بيعة للموحدين في المغرب.

 

* عام 631هـ - 1234م البابا يعلن الحرب الصليبية لاسترداد بلنسية:

- هذه الحالة المزرية، وهذا التمزق الفاتك في دولة الموحدين، ثم سقوط الجزر الشرقية تباعاً كانت من أهم العوامل التي دعت البابا ليعلنها حرباً صليبية مقدسة لاسترداد بلنسية في الشرق، وهي المدينة التي سقطت بأيديهم مرة ثم أعادها المسلمون كما سبقت الإشارة إليها، فقام ملك أراغون والفرسان الصليبيون بهجوم إثر هجوم بدءاً من عام 631هـ يخربون القرى، ويدمرون الزروع والمحاصيل، ويحتلون بعض الحصون وصلوا إلى ضواحي بلنسية، ولكن ملك أراغون رأى أن يكتفي بما غنم وبما احتل وعاد إلى بلاده ليدير شؤونها وليستعيد لاحقاً لاسترداد هذه المدينة، وكانت هذه المرحلة الأولى لهجماته.

 

* عام 633هـ - 1235م بنو زيان يستقلون بالجزائر:

- وزاد التمزق في دولة الموحدين إذ أعلن بنو زيّان استقلالهم في الجزائر عام 633هـ، وكانت تونس قد خرجت من أيديهم من قبل، حين استقل بها بنو حفص كما سبق.

 

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

قرطبة ، المسجد الكبير، قبة المعزبة أمام المحراب، فيها من دقة الصنعة والهندسة الرائعة ما عجز المؤرخون عن وصفه

 

* سقوط قرطبة:

 

* عام 633هـ - 1235م الهجوم على شرق قرطبة:

- استطاع الفرسان القشتاليون المجاورون في حصون متاخمة  لمنطقة قرطبة اقتحام شرق مدينة قرطبة، إذ كانت مقسمة إلى عدة مناطق في ذاك الحين، لضعف أسوارها، وبطرق المباغتة سحراً، وقد أرشد إلى أماكن الضعف والثغرات متنصر من أهل قرطبة! سنة 633هـ، فأرسل هؤلاء إلى فرناندو الثالث ملك قشتالة يستنجدون به أولاً، ويحثونه ثانياَ على دخول قرطبة واستردادها.

 

* فرناندو يحاصر قرطبة:

- بادر فرناندو الثالث بقواته التي تضخمت بمن يصل إليها من متطوعة قشتالة وأراغون، وازدادت عدداً وعُدّة، فأطبق الحصار على المدينة، وعزم أهل قرطبة على الدفاع عنها، فلم يكن بينهم قائد ذو كفاءة لإدارة القتال، وجرت مقاومة شديدة عن المدينة قام بها أهلها فقط، إذ لم يقم لإغاثتهم أحد من الموحدين الذي كانوا هم يعانون أضعف حالة مرت عليهم، كذلك لم يبادر ابن هود أحد زعماء الأندلس وأمير إشبيلية في تلك الفترة لإنجادهم، وكأنه تركهم لمصيرهم المؤلم!

 

- شدد فرناندو الثالث الحصار على قرطبة، وقطع كل صلة لها عن جهة الوادي الكبير فلم يستطع أن يدخلها أحد أو يخرج منها.

 

* الاتفاق على الاستسلام:

- ودام الحصار القاسي بضعة شهور حتى قلت الموارد وانتهت الأقوات أو كادت، فاتصل أهل قرطبة بالملك القشتالي، وعرضوا عليه تسليم المدينة على أن يخرجوا هم بأنفسهم وأموالهم، فوافق على ذلك، مع أن الأحبار والرهبان والقسيسين الذين كانوا معه قد رفضوا مثل هذا العرض، وكانوا يريدون الدماء وألا يخرج من المدينة أحد حياَ، إلا أن الملك وافق على ذلك - لا رحمة بالمسلمين – وإنما خوفاً أن يعمد المسلمون إذا يئسوا إلى تخريب المدينة وهدم دورها وأبنيتها، ثم إنهم قد يقاتلون، وقتال اليائس فيه مشقة وكيد على المهاجمين.

 

* عام 633هـ - 1235م الجلاء:

- أقر على أن يكون الجلاءُ التام عن المدينة، خرج أهل قرطبة، وتركوا دورهم ومدينتهم متفرقين في المناطق الأندلسية الباقية بيد المسلمين، وكان ذلك في شوال سنة 633هـ.

 

* تحويل المسجد كنيسة:

- ودخل النصارى وحولوا المسجد الجامع العظيم إلى كنيسة حالاً، وهكذا.

- كان السقوط – سقوط عاصمة الخلافة – بعد أن بقيت بيد المسلمين أكثر من خمسة قرون، وكان سقوطها إيذاناً بأن أيام المسلمين باتت معدودة في الأندلس وستؤول المناطق الأخرى الباقية إلى ما آلت إليه قرطبة.

 

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

المسجد الأعظم في قرطبة حول إلى كنيسة للنصارى وضاعت المئذنة مع مسجدها الخالد ووضعت فيها أجراس الكنيسة وفي أعلاها تجد تمثال الملك رافائيل

 

* سقوط العاصمة:

- سقطت عاصمة الأندلس، وعاصمة الإسلام وحاضرته التي كانت مركزاً للعلم والعلماء، صدّرت الخير والنور والبركة، لا إلى المسلمين فحسب، بل إلى أوروبا في العصور الوسطى، فقد جاء إليها علماء كثر من أوروبا لتعلم الطب والعلوم والفلك.

 

- سقطت بسهولة، فلا معركة لها دوّي، ولا قائد محنّك يذكر، مع أنها كانت ثغر جهاد بل أم الثغور، سقطت وكان لهذا السقوط دوي كما لو قيل سقطت عاصمة من عواصم المسلمين اليوم!

 

وأين قرطبة دار العلوم فلكم           من عالم قد علا فيها له شان

 

- بدون قتال، بدون مساندة، بدون مدد، أما يشير هذا الحدث إلى مدى الضعف المهين الذي أدرك الموحدين أولاً في المغرب، وإلى مدى التمزق الحاصل في الكيان الأندلسي؟!

 

- أصبحت طريقة الحصار "حرب الجوع والعطش والحاجة" الوسيلة القوية للأعداء من النصارى في استردادهم المدن الإسلامية في الأندلس الواحد تلو الأخرى، وإشارة إلى مدى البؤس الذي لحق المسلمين.!

- سقطت قرطبة وهو أمر خطير وجلل، فاهتزت الأندلس.

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

مخطوط لمعالجة الأرض الجبلية

 

* عام 634هـ - 1236م معركة أنيشة:

- وقام أبو جميل زيّان أمير إشبيلية من قبل الموحدين، الذي أدرك أن الدور آت لمدينته إشبيلية إذ هي أقرب إلى قرطبة من غيرها، ومن ثم رأى أقرب من جهات بلنسية، فقد كان حصن أنيشة أقوى الحصون بيد قوات أراغون التي تتربص بها و ببلنسية، وكانت تقوم فيها غارات تعيث فساداً في أراضي بلنسية، فقرر أن يأخذ هذا الحصن من النصارى، وسار بقواته بعد أن أعلن الجهاد فاحتشد حوله المسلمون من الأندلس فقط إذ إن الموحدين في المغرب منشغلون، وهم في الأندلس مشتتون، ونشب بين المسلمين وبين قوات حصن "أنيشة" معركة طاحنة قتل فيها خلق كثير، وانتهت بهزيمة المسلمين، واستشهد منهم جمع كبير، وكان من بين الشهداء عدد من علماء بلنسية وأشرفها، وفي مقدمتهم محدث الأندلس أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي، وهو من أهل بلنسية، وكان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً، حافظاً، حافلاً عارفاً بالجرح والتعديل مع الاستبحار في الأدب، كاتباً بليغاً، صناعة الحديث، بصيراً، حافظاً، حافلاً عارفاً بالجرح والتعديل مع الاستبحار في الأدب، كاتباً بليغاً، شاعراً مجيداً له عدة مصنفات في الحديث والسير والآداب، وكان جندياً وافر الشجاعة، مقداماً، حمل الراية، وقاتل بشجاعة، وحث على الثبات.

 

- وكان محدث الأندلس الكلاعي يصيح: أعن الجنة تفرون؟

 

- حتى سقط شهيداً، واستشهد معه سبعون رجلاً ممن كانوا يقفون في الصف الأول في المسجد الجامع، نفعهم الله بالشهادة وجمعنا وإياهم في مستقر رحمته.

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

ميزان مع مقياس الذرة من النحاس والحديد

 

- جيش صغيرلا يأتيه المدد، وجيش كبير العدد والعدُد، ويأتيه المدد إذ يردفه البابا بالمتطوعة من النصارى من شتى رجاء أوروبا، فغلبت الكثرةُ الشجاعةَ، كان ذلك في العشرين من ذي الحجة سنة 634هـ.

 

* المعركة الأخيرة:

- فكانت المعركة الفاصلة، والمقاومة الأخيرة، ورثى ابن الأبار تلميذ الكلاعي شيخه والعلماء والشعراء شهداء هذه المعركة بقصيدة معبرة، نختار منها هذه الأبيات:

 

هم القومُ راحـوا للشـهـادة فاغتـدوْا         ومـالهم في فوزهم من مقاوم
تساقوا كؤوسَ الموت في حَوْمة الوغى         فمالت بهم ميلَ الغصون النواعم
مضوا في سبيل الله قُدْماً كأنما           يطيرون من أقدامهم بقوادم
يرْونَ جوارَ الله أكبر مغنم         كذاك جوارُ الله، أسنى المغانم
فلن يبعدَ اللهُ الذين تقربوا         إليه بإهداء النفوس الكرائم
مواقفُ أبرار قضوا من جهادهم        حقوقاً عليهم كالفروض اللوازم
أصيبوا، وكانوا في العبادة أسوةً         شباباً وشيباً بالعواشي الغواشم
 لقد صبروا فيها كراماً وصابرون         فلا غَرْوَ أن فازوا بصفو المكارم
مناد ِ إلى دار السلام منادمٌ           بها الحورُ، واهاً للمنادي المنادم
أتاهُ الردّى مقبلاً غير مدبر          ليحظى بإقبال من الله دائم
إماماً لدينِ أو قواماً لدولة         تولى، ولم تلحقه لومةُ لائم
ويا أيها المختومُ بالفوز سعيُه         ألا إنما الأعمال حسنُ الخواتم
هنيئاً لك الحسنى من الله إنها          لكل تقيّ خيمُة غيرِ خائم
تبوأتَ جناتِ النعيم، ولم تزلْ        نزيلَ الثريا قبلَها و النعائم

 

- بالعواشي الغواشم: يتعبدون في الليالي المظلمة، كالإبل التي ترعى ليلاً.

- لا غرو: لا عجب.

- غير خائم: غير ناكص، غير مدبر.

 

* عام 635هـ - 1238م نهاية الموحدين وظهور بني الأحمر:

كانت معركة حصن أنيشة آخر للمسلمين مع نهايات دولة الموحدين، وبدأت تتطور الأحداث إلى سيء فأسوأ، فلم يعد ينتظر أهل الأندلس حماية من الموحدين، وأيقنوا أن عليهم حماية أنفسهم ومدنهم بأنفسهم، لذلك أعلن بنو الأحمر استقلالهم في غرناطة.

 

* ملخص أحداث عهد الموحدين:

524هـ

وفاة ابن تومرت بعد أن أوصى بالأمر لتلميذه عبد المؤمن بن علي.

541هـ

قيام دولة الموحدين في المغرب بعد تغلبهم على المرابطين.

542هـ

اقتحم النصارى المرية وقتلوا أهلها.

42هـ

الموحدين يخلفون المرابطين في الأندلس.

552هـ

الموحدون يستعيدون المرية بعد حصار طويل.

552هـ

بناء مدينة جبل طارق.

558هـ

وفاة عبد المؤمن بن علي قائد الموحدين.

560هـ

تولي يوسف بن عبد المؤمن للحكم.

560هـ

انتصار الموحدين في معركة فحص الجلاب.

580هـ

انسحاب الموحدين من مدينة شنترين بعد حصارها.

580هـ

وفاة يوسف وتولى ابنه يعقوب المنصور.

586هـ

هدنة مع ملك قشتالة وليون.

587هـ

فتح أبى دانس و شلب.

591هـ

انتصار عظيم للمسلمين في معركة (الأرك).

595هـ

وفاة المنصور وتولي ابنه محمد الناصر.

609هـ

هزيمة أليمة للمسلمين في معركة (العقاب).

609هـ

مذبحة عظيمة في أهل أبدة على يد ألفونسو الثامن بعد غدره بهم.

610هـ

وفاة الناصر وتولي ابنه يوسف المنتصر.

614هـ

قيام دولة بني مرين في المغرب.

620هـ

وفاة المنتصر.

623هـ

استقلال بني حفص بإفريقيا (تونس)

633هـ

سقوط قرطبة عاصمة الخلافة.

635هـ

نهاية حكم الموحدين في الأندلس فعليا.

 

* الموحدون....حقائق وعبر:

- لم يكن فكر الموحدين في نشأته وبدايته لتطمئن له النفس أو يفُتح له القلب، فابن تومرت – مؤسس دولة الموحدون – كان صاحب فكر غامض، وإن في القلب شكوكاً أنهُ كان صاحب دعوة باطنية بدأ ثورته بالدعوة إلى صفاء العقيدة ومحاربة البدع فلما تم له الأمر ووثقت به العامة ادعى أنه المهدي المنتظر!!!

 

- وهذا يذكرنا بحكام قبله وبعده كانت لهم نفس الطريقة في التستر والخداع كالفاطميين في مصر ومصطفى كمال أتاتورك في تركيا.

 

- وقد ذمه ابن تيمية رحمه الله وانتقده مرات عدة في كتبه وقال عنه أنه أقام دولته على الكذب والمحال وقتل المسلمين واستحلال الدماء والأموال فعل الخوارج السارقين ولكنه شهد له ببعض الأمور الحسنة وقال: جمع بين خير وشر.

 

- ومهما يكن فإن من جاء بعده من الموحدين كانوا على ما يبدو أصلح حالاً منه، ولا نستطيع أن ننكر ما حصل في زمانهم من الجهاد والدفاع عن الأندلس والذنب عن حياض الإسلام.

 

* ونتناول في كلامنا عنهم بعض المواقف:

  • ما كان عليه المنصور(أبو يوسف يعقوب) من تضرع لله وتذلل بين يديه في بداية معركة الأَرَك  موقف يرجى معه النصر وينبعث منه الأمل، فحينما يقر القادة بضعفهم ويصلون رجاءهم بقوة العزيز الذي لا يقهر، حينها يحق للمسلم أن يستبشر، فإذا خضع جبار الأرض رحم واستجاب جبار السماء.

- وكذلك ينبغي أن يكون حال المسلمين – قادةً وجنداً – في كل ملمة بل في كل أمر من أمورهم، يأخذون بأسباب الدنيا ثم يتبرؤون من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، ويلتجئون إلى المحرك الحقيقي الذي لا يكون شيء إلا بأمره

 

ولله مالك غير الله من أحد               ارجع لربك في كل لك الله

- وموقف المنصور يذكرنا بموقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر انقطع عن أسباب الدنيا ووصل حبله بحبل الله يلتجئ إليه ويتضرع ويتذلل بين يديه (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبداً) حتى كان النصر الذي وعد الله عز وجل.

 

- وما أحوجنا اليوم أن نلتجئ إلى لجوء المضطرين الذين يرون مأساة إخوانهم في فلسطين فلا يستطيعون حراكاً ولا مساعدة.

 

- وما أحوجنا اليوم بدل أن نرفع صور الرؤساء والحكام ونهتف بحياتهم أن ننادي بتضرع وصدق: يا رب يا رب.

 

- لعل الله بدمعه صادقة تهطل بسحر، أو عبرة خانقة تسكب بليل أن يفتح لنا باباً من النجاة أو ييسر لنا طريقاً لتصحيح أمورنا وأحوالنا.

  • ابن مردنيش الحاكم الخائن الذي كان هواه تبعاً لأعداء الله وأرهق المسلمين بالضرائب والظلم- وبين كل فترة يبتلى المسلمون بمثله ومن على شاكلته – وكان همه أن يتشبه بالنصارى في زيهم ولباسهم وسلاحهم وكان يؤثر لغتهم على لغة المسلمين، وهنا أود أن أركز على نقطة هامة وهي الحفاظ على الهوية الإسلامية وعدم ذوبانها بما يصدره لنا الغرب من عادات وأفكار ونهج.

- فحينما نرى بعض شبابنا الحائر اليوم- وهذا إشفاق لا تعريض- وهو يلبس آخر صرعات الغرب ويقلدهم في المشية والتسريحة والعادات ويتصيد أخبار مشاهيرهم وحمقاهم فهل نرجو منه أن يكون حاملاً لفكر الأمة أو مدافعاً عنه؟

 

- أي انتماء للإسلام يحمله أمثال هؤلاء الشباب أم أي إسلام سيقوم على سواعدهم؟

 

- إنها مسؤولية عظيمة يتحمل الآباء القسم الأكبر منها وهي تربية النشء على الاعتزاز بالإسلام والمحافظة على هويته، وإن استيرادنا لصناعات وتكنولوجيا الغرب لا يعني أن نلغي كياننا وهويتنا.

 

- فنحن جند الإسلام وأبناؤه وحاملوا رايته نعتز بكل ما فيه ولا يشرفنا إلا الانتماء إليه.

 

نهاية الموحدين - دويلات الطوائف وملوك المغرب

أهم المعارك والأحداث

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..